المرشد الطلابي والطالب
إن المتطلع إلى ما يقدمه المرشد الطلابي من واجبات وظيفية يومية تكاد تكون رتيبة . ويوصي الأحد منا الآخر على ضرورة التقيد بها والانضباط في أدائها . فمن حاد منا عن مساره في التقيد والالتزام، وصفناه بالمتخاذل
وبالمتقاعس عن أداء واجباته ومهامه كما ينبغي .
فنرى جهود المرشدين والمرشدات تتوجه نحو المثالية في الأداء الذي سيتابعه المسؤول، والذي قد يكون معيارا لوسم المرشد بالناجح أو الفاشل .فتشحذ الهمم والطاقات نحو الأداء المتميز.فيكثر التوثيق الإداري ويزداد،ويتحول مكتب المرشد إلى مكتب إداري يحوي سجلات أرشيفية لجهد أقل ما يمكن أن نصفه بالميداني.
فيحيد المرشد عن مهامه ويضيع الطريق،ليتيه عن دوره ويبدأ في التخبط بين ما يجب أن يقوم به، وبين ما يريد أن يحققه . فلا هو بالراضي عن أدائه،ولا هو لواجباته قد أداها.
ماذا عن الطالب :
ينظر الطالب إلى معلمه وإلى المرشد الطلابي نظرة الناقد الفاحص، فكل من خبر التربية والتعليم إلا ويدرك هذا الأمر .فالطالب ينظر إلى المرشد نظرة المتفحص ونظرة شخص خبير. فلا يجب أن يستهان بها أو يتغافل عنها.ذلك لأن وجهة نظر الطالب في المرشد هي التي تعكس مدى تقبله له. وهي محك نجاحه أو فشله.
إنّه بنظره إلى المرشد يدرك صدقه من كذبه ، ويدرك حقيقة ما يحمله من مشاعر اتجاهه .فباستطاعته أن يميز بين النظرة الحانية ، وبين النظرة الساخرة ، وبين نظرة الحقد والكراهية وبين نظرة الحب والمودة . كما أنه يميز بين أن يكون المرشد كله إليه، وبين أن يكون منشغلا عنه.
إن الطالب ليدرك ويعي ما يقوم به المرشد من تصرفات ، فالمرشد مراقب من الطالب وهو يحصي عليه حركاته وسكناته ، وهو تحت مجهره فأدنى خطأ لا يغفره له ، ولا يعذره فيه .ذلك لأنه تحمل مسؤولية الإرشاد والتوجيه إذ أنه الصدر الحاني، والأب الحنون و الأم الرؤوم. فما من ابن يعتقد أنّ والديه سيئان، والمرشد بديل عنهما في المدرسة فكيف لو اختلت العلاقة بينهما ؟
العلاقة بينهما :
العلاقة بين المرشد والطالب وليدة المواقف المتكررة خلال اليوم الدراسي، ووليدة تراكمات زمنية يتناقلها الطلاب جيلا بعد جيل. فليحرص كل مرشد ومرشدة على سمعته الطيبة بين طلابه وعلى حسن خلقه.ولا يجعل من وظيفة الإرشاد وظيفة لحظية تنتهي بانتهاء الدوام .
إنّ العلاقة بين المرشد والطالب أكبر من أن تحتويها سجلات إدارية يطلع عليها المشرف أو أي مسئول، فهي مخبوءة بين اثنين، ويشهد على نجاحها جيل كامل.
إنّ من أهم ما يجب الإشارة إليه في العلاقة بين المرشد والطالب هي تلك العلاقة السلبية المنشأ، والخطيرة النتائج، والتي أرى أنّ المرشد هو الطرف الرئيس فيها. إذ يكون سبباً لحدوثها دون أن يدري.
جُعل المرشد الطلابي لأجل التوجيه والإرشاد. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنّه في أكثر المواقع صعوبة ، وفي أكثر الأوساط احتمالاً لوجود المشكلات السلوكية.، إذ سيكون وجهاً لوجه أمام الأخطاء، وأمام التصرفات غير المقبولة عرفاً وشرعاً وأخلاقاً. فمن غير المعقول أن يتوقع وجود جميع الطلاب بمستواً عال من التربية والأخلاق، بحيث يتوجه إلى مكتبه وهو مطمئن على خلو المدرسة من المنغصات أو المشكلات،
فتتولد النظرة السلبية من المرشد للطالب الذي يزعزع قناعاته، ويخرق تصوره الذي يحمله في ذهنه بأنّ المدرسة خالية من المتمردين أو خالية ممن يخل بالنّظام في داخلها. ويشعر بالتحدي الشخصي لكل من يحيد عن المألوف
فينقل المرشد أحاسيسه المتذمرة والمستاءة من هذه التصرفات. فتترجمها نظراته ونبراته وحركاته.فيفهمها الطالب ويعرف أنّه هو المقصود من كل هذا.و قد يخطئ بعض المرشدين ويذهب لأبعد من هذا، وينعته بنعوت غير تربوية، أو يغلق باب الإرشاد في وجهه بسبب أنه لا يصلح ولا يوجد من سبيل للإصلاح.
و يخسر المرشد الطلابي وظيفته كمرشد، وتموت صورته في أعين كل من كان يعتبره صندوقا لسره. وهكذا تتهاوى ألوية الإرشاد التي يحملها المرشد بين يديه ويلوح بها لطلابه حتى يثقوا به. ليتحول في الأخير إلى موظف همه التوثيق الإداري بعد أن فشل في الميدان.
جانب آخر للسلبية، وهو الشعور بالطمأنينة والثقة من الطالب المتخفي، الذي لا يلاحظ على سلوكه أي تغير واضح أو مؤشر للمشكلات. فلا يكاد المرشد يعرفه باسمه أو بشكله ذلك لأنه ليس مميزا في تحصيله الدراسي سواء بالتفوق أو بالتأخر . وهذا النوع من الطلاب قد يحمل في طياته مشكلات كثيرة تخفى على المرشد وعلى الوالدين أحيانا . ويكون أشبه بالهدوء الذي تسبقه العاصفة. وحين يحدث هذا، يكون لا حل للمشكلة لأنها كانت نتيجة زمن ليس بالقصير في تكونها، ونتيجة غفلة الوالدين في الأسرة والمرشد في المدرسة .
فليحرص المرشد على تفقد هذا النوع من الطلاب ولو بسؤال زملائهم عنهم. فلا يغفل عن هذا الأمر ما استطاع
وبهذا يتحمل المرشد الطلابي النصيب الأكبر في هذه العلاقة، فنجاحها من نجاحه وفشلها من فشله.وهي المحك الوحيد الذي يمكن للمرشد أن يقيس به أدائه الوظيفي ليكون راضيا عن نفسه تمام الرضى .
---------------------------------------------
د . سمية عيسى مزغيش
أستاذة بقسم علم النفس وعلوم التربية - جامعة الجزائر -
0 التعليقات :
إرسال تعليق